دينمومتر السعادة في بيئة الأعمال

 

تشير البينات الى أن ما يقارب من 85% من العاملين في العالم غير مندمجين بالعمل ولا يشعرون بالحماس او الانغماس في العمل وهم الذين لا يعملون وفق ما يسمى بحالة التدفق في العمل، وهذا وفق ما اصدرته مؤسسة غالوب (Gallup) في تقريرها السنوي للعام 2018.

يشعر الكثير من العاملين في اماكن العمل بغياب الاهتمام او التقدير وبانعدام الحافز احيانا وعدم تلبية احتياجاتهم النفسية والمهنية في كثير من الاحيان، وقد لا تلاقي العديد من المهن والوظائف اهتمام العاملين او توقعاتهم الشخصية، ويصبح الامر اكثر سوءا عندما يتم ممارسة انماط الادارة التقليدية المبنية على التحكم المطلق بالعاملين وعدم منحهم الصلاحيات والمسؤوليات او الاستماع لارائهم ومقترحاتهم واحترام مساهماتهم في العمل.

ما يزال عدد كبير من العاملين يشعر بالتجاهل وعدم الاهتمام والتسلط والقيود التي تفرضها الوظيفية وغياب البيئة المحفزة التي تشعر العاملين بالسعادة والرغبة بالانجاز واهمية الدور الذي يقومون به والقيمة التي يقدمونها للآخرين، وينتج عن ذلك الكثير من الآلم النفسي والفكري وتزايد فرص ترك العمل وخسارة الكثير من المنشأت والاعمال لموظفين وعاملين أكفاء كان لهم دور كبير في نهضة منظماتهم وتقدمها. (احصائية حول ترك العمل في العامل) نسبة دوران الموظف.

على المستوى الشخصي عايشت مئات من الحالات التي كانت تنتهي بطرد العاملين وباجبارهم على ترك العمل بطريقة مهينة رغم انهم خدموا المؤسسة سنوات طويلة وقدموا مساهمات كبيرة، وقد يكون ذلك لاسباب تافهة كأن يطالب الموظف بزيادة سنوية او تحسين بشروط العمل او حقهم بالحصول على عقد مكتوب او غيره، وكان الوظيفية اصبحت شكل من اشكال العبودية وأصبح الموظف مقيد بالاغلال وليس حرا طليقا. واذكر كيف اني كنت بزيارة احد الزميلات لدى احدى المؤسسات المجتمعية واثناء دخول مدير المؤسسة كان باديا عليها الارتباك وتفاجأت كثيرا عندما اخبرتني انها لم تكن قادرة على الوقوف لتعريفي بمديرها من التوتر والخوف الذي حضر فجاة الى موقع العمل.

طبعا هذا لا ينطبق على كل بيئات العمل او جميع الحالات المذكورة، ومع ذلك بدأنا نلاحظ اليوم وجود اهتمام متزايد لدى بعض المؤسسات والشركات وخصوصا الناشئة منها، والتي تركز على فكرة العمل ضمن فريق على إيجاد بيئة تحفز العاملين وتوفر لهم متطلبات الاحتياجات النفسية والاجتماعية التي يمكن ان تساهم في تعزيز بيئة العمل وتطويرها، وبفعل جهود علم النفس الايجابي والذي اسسه الدكتور مارتن سليغمان الاستاذ في جامعة بنسلفانيا تم تطوير نموذج بيرما والذي يركز على رفاهية وسعادة العاملين من خلال خمس مؤشر ات يجب ان توليها المنظمة اهمية خاصة لضمان تحفيز العاملين لديها وهي تتعلق بتعزيز العواطف الايجابية، تحسين العاملين على الاندماج ببيئة العمل، تقوية روابط العلاقات مع العاملين، خلق المعنى وتشجيع القدرة على الانجاز لدى العاملين.

ومن اجل خلق بيئة محفزة للعاملين واكثر سعادة يجب ان تدرك المنظمة بداية اهمية ذلك ومنفعته للموظف وصاحب العمل  (احصالئية)، مما يتطلب من الادارة أن تبدأ بادخال تحسينات على بيئة العمل التي يجب ان تكون ملائمة لاحتياجات الموظف فاستشارة الموظف باختيار الاثاث او طلب اقتراحاته لاشباع بعض متطلبات ورغباته يعد امرا مهما، بناء العلاقات الانسانية مع العاملين واحترام ارائهم وافكارهم والتاكد من ان نجاح اي منظمة وتحقيقها لمستوى انجاز ملموس مرتبط بمستوى رضا العاملين. هل من الغريب ان تدعوا الموظف على استراحة قهوة خلال اوقات العمل ، او تعمل على تنظيم نشاط لكافة العاملين داخل المؤسسة كاجراء نزهة او مسار بيئي او جولة وزيارة لبعض المناطق، اضفاء طابع البهجة والمتعة على موقع العمل من الالوان والديكور البسيط والملائم بدون تكلف او ميزانيات مرتفعة، تمكين الموظفين من اتخاذ القرارات في كافة الجوانب التي تتعلق باعمالهم بحيث يكون دورك كمدير مرشد يقدم التوجيه والمساعدة للعاملين،

بعض الشركات في العالم اقدمت على تغييرات اكثر عمقا عندما ادخلت تعديلات على الهيكليات وازالة الحواجز الادارية والغت مسمى المدير وشكلت فرق عمل ومكنت العاملني من اختيار قائد لكل فرقت عمل ومنحتهم صلاحية اتخاذ قرارات مطلقة حتى الاجازات وتنظيمها ولقد لوحظ على الفور وجود شكل من الولاء المتميز للمؤسسة واهتمام وحرص على لاعمل وارتفاع مستوى لاانجاز حتى ان الاجازات على سبيل المثال لم يتم استخدامها من قبل العاملين بطريقة متعسفة بل تم الاتفاق بين افراد الفريق الواحد على ايام الاجازات بحيث لا تعيق عمل الفريق او المؤسسة.إن خلق بيئة أكثر تحفيزا وسعادة للعاملين ليست مجرد شعارات بل تم تطبيقها في كثير من المنظمات والشركات في العالم واعطت نتائج واضحة وخلقت عاملين اكثر التزاما وانجازا وتفاني وانتماء للعمل، تحتاج الكثير من الشر كات في  عالمنا العربي ان كانت تامل باجراء تغييرات حقيقية في مجال الاعمال ان تسهم بشكل واضح في اجراء تغييرات أكثر عمقا من حيث المفهوم والبيئة والممارسات والسياسات الداخلية التي يمكن تحفز العالمين ليكونوا اكثر ابداعا وتميزا.

وسيم برغال مدرب ومستشار تنمية الذات

جوال رقم 0598558484

بريد الكتروني wborgal@gmail.com